ما هو عالم الذر وما علاقته بعالم الدنيا؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

وصلتني الأجابات
وكلي شكر لسماحتكم على هذه التوضيحات المهمةبنسبة لي
لكن هنالك سؤال عن عالم الذر طلبت فيه توضيح بخصوص علاقة عالم الذر في التذكر في الدنيا
لربما لكثرة الاسئلة سقطت الاجابة عنه سهوا
لهذا اتمنى الاجابة عليه من سماحتكم
وجزاكم الله خير

والسؤال السابق كان بهذا النص
اني اتذكر في عالم الذر اشياء عديدة في ارض الواقع مثلا اشاهد مواقف و اشخاص كأني شاهدتهم من قبل وهي طبعا نتيجة لما عشناه سابقا في عالم الذر
وعندما شاهدت لأول مره الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله على النت في مقاطع مرئية وصور له
أشعر كأني شاهدته من قبل اي في عالم الذر
وبهذا الخصوص ياليت تتفضل علي بشرح مختصر عن الحياة في عالم الذر وعلاقتها بتذكر في الدنيا

خادم ال محمد


باسمه تعالى شأنه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين الشهيد وأهل بيته وأصحابه صلوات الله عليهم، جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأرهم مع إمامنا المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه الشريف.

عالم الذر والميثاق هو إحدى عوالم الامتحان التي عشناها نحن البشر، وإن كنّا قد نسينا تفاصيل ما جرى لنا فيه فإننا لم ننسَ إيقاف الله لنا فيه للشهادة بالربوبية حيث أقررنا على أنفسنا بذلك وأخذ الله هذا الميثاق منا. قال سبحانه: ”وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ“. (الأعراف: 173).

وفي تفسيرها قال مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لعمر بن الخطاب (لعنات الله عليه) ردّا على ادعائه بأن الحجر الأسود لا ينفع ولا يضر: ”وأخبرك أن الله سبحانه لمّا خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذرية من صلبه في هيئة الذر فألزمهم العقل، وقرّر بهم أنّه الرب وأنّهم العبد فأقروا له بالربوبية وشهدوا على أنفسهم بالعبودية، والله عز وجل يعلم أنهم في ذلك في منازل مختلفة، فكتب أسماء عبيده في رِقٍّ وكان لهذا الحجر يومئذ عينان وشفتان ولسان، فقال: افتح فاك! ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، فلما هبط آدم عليه السلام هبط والحجر معه، فجُعل في موضعه الذي ترى من هذا الركن“. (أمالي الطوسي عليه الرحمة ص477).

كما قال في تفسير الآية مولانا الباقر (صلوات الله عليه) في محضر من أبيه السجاد (صلوات الله عليه) وهو يسمع: ”حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم عليه السلام فصبّ عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا، ثم صبّ عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا، فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار! فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما، وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها“. (الكافي للكليني عليه الرحمة ج2 ص7).

وهذه الشهادة بالربوبية التي نطقنا بها آنذاك ظلت في وجداننا إلى اليوم حيث هي الفطرة التي تجعل الإنسان يشعر بأن له ربّا قد خلقه وأوجده فيدفعه ذلك إلى معرفته. عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ”وإذ أخذ ربّك من بني آدم..“ قلت: ”معاينة كان هذا؟ قال: نعم، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما، ولولا ذلك لم يدرِ أحدٌ مَن خالقه ورازقه؟ فمنهم من أقرّ بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه“. (مختصر البصائر للحسن بن سليمان الحلي عليه الرحمة ص161).

وبمقتضى ما جرى لنا في عالم الذر؛ وُجدنا بحيثياتنا في عالم الدنيا، فالمطيع في ذلك العالم تأهل في هذا العالم لأن يكون من أبويْن مؤمنيْن صالحيْن مثلا، والعاصي هناك تولَّد في هذا العالم من زانيْين مثلا، والذي تردّد هناك في الامتثال للأوامر الإلهية خرج في هذا العالم ذا عاهة أو إعاقة ليكون ذلك كفّارة عن تردّده في ذلك العالم ليختم الله له بالسعادة في الآخرة. وهكذا تتنوّع الظروف والملابسات والحيثيات وترتبط ارتباطا وثيقا بمجريات عالم الذر، غير ما جرى في ذلك اليوم لا يكون إلا على نحو المقتضي لما يجري في هذا العالم، لا على نحو العلة التامة، إذ قد يتفق أن يؤمن من كان معاندا في ذلك العالم، والعكس بالعكس على الأظهر.

وما جرى في عالم الذر يؤثر في هذا العالم على أوجه متعددة، منها ما يغلب على طبع الإنسان، كأن يميل المؤمنون بعضهم إلى بعض لسبق معرفتهم ببعضهم بعضا في ذلك العالم، وكذلك الكفار والمخالفون، فقد قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه: ”إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد، فما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر منها اختلف“. (علل الشرايع للصدوق عليه الرحمة ج1 ص84).

ومن ذلك ما تراه من حدّة المؤمنين في الحقّ، وتصنّع المخالفين الوقار في الباطل، فإن لذلك أصلا في عالم الذر والميثاق، كما شرحه إمامنا الصادق صلوات الله عليه. روى الصدوق (عليه الرحمة) عن ابن أذينة قال: ”كنا عنده - أي الصادق عليه السلام - فذكرنا رجلا من أصحابنا، فقلنا: فيه حدة. فقال عليه السلام: من علامة المؤمن أن يكون فيه حدّة! فقلنا له: إن عامة أصحابنا فيهم حدة. فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هم أن يدخلوا النار فدخلوها، فأصابهم وهج، فالحدّة من ذلك الوهج. وأمر أصحاب الشمال وهم مخالفوهم أن يدخلوا النار فلم يفعلوا، فمن ثمَّ لهم سمت ولهم وقار“! (علل الشرايع للصدوق ج1 ص85).

وحسب ما وصلنا من أخبار عن أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) فإن الامتحانات التي جرت في ذلك العالم كانت - مضافا إلى الإقرار بالربوبية والامتثال لأمر الدخول في النار - الإقرار بنبوة سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ما رُوي عن إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) في تفسير قوله تعالى: ”هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى“ (النجم: 57) إذ قال عليه السلام: ”إن الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذرّ الأول فأقامهم صفوفا قدّامه؛ بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله فآمن به قوم وأنكره قوم، فقال الله تعالى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى، يعني به محمدا صلى الله عليه وآله حيث دعاهم إلى الله عز وجل في الذرّ الأول“. (تفسير القمي عليه الرحمة ج2 ص340).

وكذلك كان من الامتحانات الإقرار بولاية سيد الأولياء علي صلوات الله عليه، وذلك ما رُوي عن إمامنا الباقر (صلوات الله عليه) عن آبائه عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: ”أنت الذي احتجَّ الله بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم أشباحا فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قال: محمد رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: وعلي أميرالمؤمنين؟ فأبى الخلق كلهم جميعا إلا استكبارا وعتوا عن ولايتك إلا نفر قليل وهم أقل القليل، وهم أصحاب اليمين“. (أمالي الطوسي عليه الرحمة ص233).

وكان لتلك الامتحانات التي جرت في عالم الذر أثر في التفاضل بين الخلائق حيث حاز محمد وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) المرتبة العليا والعطايا الأكمل، وذلك ما رُوي عن إمامنا الصادق صلوات الله عليه: ”لمّا أراد الله عز وجل أن يخلق الخلق؛ خلقهم ونشرهم بين يديه، ثم قال لهم: من ربّكم؟ فأوّل من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، فقالوا: أنت ربّنا، فحمّلهم العلم والدين. ثم قال للملائكة: هؤلاء حَمَلة ديني وعلمي وأُمناي في خلقي وهم المسؤولون. ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية، فقالوا: نعم ربّنا أقررنا، فقال الله جل جلاله للملائكة: اشهدوا، فقالت الملائكة: شهدنا على أن لا يقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. - ثم قال الصادق عليه السلام لداود الرقي - : ياداود! الأنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق“. (علل الشرائع للصدوق عليه الرحمة ج1 ص117).

رزقنا الله وإياكم الكون في الدارين مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والسلام.

ليلة الخامس والعشرين من صفر الأحزان لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp