27-08-2016
تعريف العلوم الثلاثة
الأوفق هو أن تُعرَّف العلوم الثلاثة موضوعاً وغايةً ويُفَرَّق بينها على هذا النحو:
- تعريف علم الرواية: هو ما يُبحَث فيه عن النقل، مصادره وطرقه وأسناده(١)، وغايته توصيف المنقول من جهة صدوره وسنده. كالقول بأنه متواتر أو مستفيض أو غريب، وكالقول بأنه مسند أو مرفوع أو مرسل ونحو ذلك(٢).
- تعريف علم الدراية: هو ما يُبحَث فيه عن فهم المنقول سنده ومتنه، وغايته الحكم عليه من جهة الإعتبار بما يهيء لعملية الاستنباط، كالقول بأنه صحيح أو حسن أو موثق أو ضعيف، وكالقول بأنه نص أو ظاهر، مجمل أو مبين، مقبول أو مطروح، سالم أو مضطرب، محفوف بالقرينة أو غير محفوف ونحو ذلك(٣).
- تعريف علم الرجال: هو ما يُبحث فيه عن الناقل، وغايته معرفة حاله للحكم عليه من جهة الوثوق بروايته من عدمه(٤)، كالقول بأنه إمامي أو عامّي(٥)، عادل أو غير عادل، موثّق أو غير موثّق، ضابط أو غير ضابط(٦)، ممدوح أو مذموم، مُهمَل أو مجهول ونحو ذلك.
الغرض من علم الحديث أو علم السنة
وهذه العلوم الثلاثة مترابطة متداخلة يعمّها في العنوان: علم الحديث - أو علم السنة - والغرض منه هو تمييز الأحاديث والروايات والآثار بما يحدد المقبول منها ويميّزه من المردود أو المتروك بحسب مجال الاستنباط. وقولنا (بحسب مجال الاستنباط) إلماع إلى أن ما يُقبل في إحدى المجالات قد لا يُقبل في غيره، فلربما تُقبل رواية مرسلة في مجالي التفسير والتاريخ ولا تُقبل مرسلة أخرى في مجال الفقه والأحكام(٧).
(١) جمع (سند) بـ (أسانيد) خطأ شائع، الظاهر هو (أسناد).
(٢) أي يبحث فيه عن كيف وصلت ونقلت الرواية إلينا، ما مصدرها وطرقها، ونصف المنقول من جهة صدوره أي منبعه، ومن جهة سنده الذي انتقل به. فنقول إما أن يكون المنقول متواتر، أو أقل من ذلك: مستفيض، أو غريب، أو مسند، أو مرفوع، أو متصل، أو مقطوع، أو مضمر، أو مدبّج، أو مرسل، إلى آخره. هذه أوصاف للرواية من جهة النقل، المصدر، الطرق، السند.
(٣) أي يبحث فيه عن فهم متن ونص المنقول، وكذلك فهم سنده وتوصيفه بالصحيح أو الموثق أو الحسن أو الضعيف، بشكل متوازن لنصل إلى نتيجة أن هل المنقول معتبر أم لا. السند ايضاً له مدخلية في الفهم في علم الدراية، فندري من خلال البحث فيه هل الرواية صحيحة أم ضعيفة، لكن جهة البحث فيه تختلف. غاية علم الدراية الحكم على المنقول من جهة الاعتبار، فأول علم نذهب إليه في الاستنباط هو علم الدراية لنعرف هل يصح الاحتجاج بالمنقول أم لا. علينا أن نزن الخبر قبل أن نقوم بعملية الاستنباط. قد يكون المنقول معتبر، ولكن ربما مآل عملية الاستنباط أن لا نأخذ بالمنقول بعد ان نقلب بين الاخبار المعتبرة - مثلاً - ولكن من حيث الاعتبار فالخبر معتبر، إلا أننا لا نأخذ به لأننا وجدنا أدلة أقوى.
(٤) أي بحث فيه عن احوال ناقلي المنقول لغاية الحكم عليهم من جهة الوثوق من عدم الوثوق بروايتهم، لكي نعلم هل يمكننا الاعتماد على ما يقوله أم لا.
(٥) يدخل توصيف الناقل بأنه إمامي أو عامي لأننا نثق بالإمامي ولا نثق بالعامّي إلا بوجود أمر عارض يثبت صدقه.
(٦) الضابط معناه أن لديه قوة من الحفظ يتمكن بها أن يضبط ما ينقله بحيث لا ينسى أو يسهو أو يخلط.
(٧) هناك فروق بين (الحديث) و (الرواية) و (الأثر) سنبيّنها فيما بعد. يكونان الحديث والرواية مترادفين في كثير من الأحيان من ناحية التعيّن اللفظي، وهذا هو الشائع اليوم. الغاية من علم الحديث هو تحديد المقبول من المنقولات وتمييزها بحسب مجال الاستنباط، فما قد يُقبل في مجالٍ قد لا يُقبل في غيره. وهذا لا يعني أننا نشطب على جميع الروايات المرسلة في المجالات الأخرى. ولعلنا ايضاً نقبل برواية مرسلة في باب معين ولا نقبل بها في باب آخر. وكذلك في غيرها من الروايات حتى وإن كانت صحيحة.